الحمد لله الذي علم الإنسان مالم يعلم والصلاة والسلام على رسوله المبعوث إلى كافة الناس القائل طلب العلم فريضة على كل مسلم وعلى آله الطاهرين وعلى من دعا بدعوته إلى يوم الدين و بعد.
فمن آداب طلب العلم ينبغي على طالب العلم أن يتحلى بها: الصبر والإخلاص والعمل بالعلم ودوام المراقبة واغتنام الأوقات والضبط والإتقان ومطالعة الكتب واختيار الصاحب والتأدب مع الشيخ.هناك جملة من آداب طلب العلم ينبغي على من طلب العلم أن يتحلى بها، فإليكم هذه الوصايا والآداب.
أولاً: الصبر
إن طلب العلم من معالي الأمور، والعُلَى لا تُنال إلا على جسر من التعب
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهُم وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسـبن المجد تمراً أنت آكله لـن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَـبِرَا
فاصبر وصابر، فلئن كان الجهاد ساعةً من صبر، فصبر طالب العلم إلى نهاية العمر. قال الله تعالى:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( آل عمران200).
ثانياً: إخلاص العمل
الزم الإخلاص في عملك، وليكن قصدك وجه الله والدار الآخرة، وإياك والرياء، وحب الظهور والاستعلاء على الأقران فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَرواه النسائي (2654) وبالجملة: عليك بطهارة الظاهر والباطن من كل كبيرة وصغيرة.
ثالثاً: العمل بالعلم
اعلم بأن العمل بالعلم هو ثمرة العلم، فمن علم ولم يعمل فقد أشبه اليهود الذين مثلهم الله بأقبح مثلٍ في كتابه فقال: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ سورة الجمعة/5 ومن عمل بلا علم فقد أشبه النصارى، وهم الضالون المذكورون في سورة الفاتحة.
رابعاً: دوام المراقبة
عليك بالتحلي بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن، سائراً إلى ربك بين الخوف والرجاء، فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر، فأقبل على الله بكليتك، وليمتلئ قلبك بمحبته، ولسانك بذكره، والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحِكَمِه سبحانه. وأكثر من دعاء الله في كل سجود، أن يفتح عليك، وأن يرزقك علماً نافعاً، فإنك إن صدقت مع الله، وفقك وأعانك، وبلغك مبلغ العلماء الربانين.
خامساً: اغتنام الأوقات
أيها اللبيب. “بادر شبابك، وأوقات عمرك بالتحصيل، ولا تغتر بخدع التسويف والتأميل، فإن كل ساعة تمضي من عمرك لا بدل لها ولا عوض عنها، واقطع ما تقدر عليه من العلائق الشاغلة، والعوائق المانعة عن تمام الطلب وابذل الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل ؛ فإنها كقواطع الطريق، ولذلك استحب السلف التغرب عن الأهل، والبعد عن الوطن ؛ لأن الفكرة إذا توزعت قصرت عن درك الحقائق وغموض الدقائق، وما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه، وكذلك يُقال العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كُلَّك.
سادساً: الحذر من الاشتغال باختلاف العلماء
إياك أن تشتغل في بداية الطلب بالاختلاف بين العلماء، أو بين الناس مطلقاً، فإنه يحير الذهن، ويدهش العقل، وكذلك الحذر من المصنفات ؛ فإنه يضيع زمانك ويفرق ذهنك، بل أعطِ الكتاب الذي تقرؤه أو الفن الذي تأخذه كليتك حتى تُتقنه، واحذر من التنقل من كتاب إلى كتاب من غير موجب ؛ فإنه علامة الضجر وعدم الفلاح. وعليك أن تعتني من كل علم بالأهم فالأهم.
سابعاً: الضبط والإتقان
احرص على تصحيح ما تريد حفظه تصحيحاً متقناً ؛ إما على شيخ أو على غيره مما يعينك، ثم احفظه حفظاً محكماً ثم أكثر من تكراره وتعاهده في أوقات معينة يومياً، لئلا تنسى ما حفظته.
ثامناً: مطالعة الكتب
بعد أن تحفظ المختصرات وتتقنها مع شرحها وتضبط ما فيها من الإشكالات والفوائد المهمات، انتقل إلى بحث المبسوطات، مع المطالعة الدائمة، وتعليق ما يمر بك من الفوائد النفيسة، والمسائل الدقيقة، والفروع الغريبة، وحل المشكلات، والفروق بين أحكام المتشابهات، من جميع أنواع العلوم، ولا تستقل بفائدة تسمعها، أو قاعدة تضبطها، بل بادر إلى تعليقها وحفظها. ولتكن همتك في طلب العلم عالية ؛ فلا تكتفِ بقليل العلم مع إمكان كثيره، ولا تقنع من إرث الأنبياء صلوات الله عليهم بيسيره، ولا تؤخر تحصيل فائدة تمكنت منها ولا يشغلك الأمل والتسويف عنها ؛ فإن للتأخير آفات، ولأنك إذا حصلتها في الزمن الحاضر ؛ حصل في الزمن الثاني غيرها. وينبغي لك أن تعتني بتحصيل الكتب المحتاج إليها ما أمكنك ؛ لأنها آلة التحصيل، ولا تجعل تحصيلها وكثرتها (بدون فائدة) حظك من العلم، وجمعها نصيبك من الفهم، بل عليك أن تستفيد منها بقدر استطاعتك.
تاسعاً : عدم الحياء من السؤال
مــن الأمور التي ينبغي أن يتحلّى بها طــالب العــلــم عــدم الخجل من طرح الأسئـلة خشيـة أن يظـن المعـلّم والحاضرون به عدم الفهم، وهذا مفهوم مغلوط فالسؤال نصف العلم والمستحيي لا يتعلّم، ولكن من الواجب التأدّب في طرح الأسئلة وتأجيلها إذا لم يكن الوقت مناسبًا كأن يكون المعلّم يشرح مسألة مهمّة فيُلقي الطالب سؤالًا خارج عن الموضوع ويقطع استرساله في كلامه.
عاشراً: اختيار الصاحب
احرص على اتخاذ صاحب صالح في حاله، كثير الاشتغال بالعلم، جيد الطبع، يعينك على تحصيل مقاصدك، ويساعدك على تكميل فوائدك، وينشطك على زيادة الطلب،ويخفف عنك الضجر والنصب، موثوقاً بدينه وأمانته ومكارم أخلاقه، ويكون ناصحاً لله غير لاعبٍ ولا لاه. وإياك وقرين السوء؛ فإن العرق دساس، والطبيعة نقالة، والطباع سراقة، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فاحذر معاشرة من كان كذلك فإنه المرض، والدفع أسهل من الرفع.
الحادي عشر: التواضع داخل الجلسة
حيث أن التواضع من الصفات المهمة التي يجب أن يتسم بها طالب العلم فالغرور والتكبر يضران بصاحبه ولا ينفعانه، فتواضع الطالب مع معلمه وزملائه يساعده على طلب العلم، وطالب العلم مهما بلغ من علمه وكان ذا خلق سيئ فلا فائدة من علمه.
الثاني عشر: التأدب مع الشيخ
بما أن العلم لا يؤخذ ابتداءً من الكتب، بل لابد من شيخ تتقن عليه مفاتيح الطلب، لتأمن من الزلل، فعليك إذاً بالأدب معه، فإن ذلك عنوان الفلاح والنجاح، والتحصيل والتوفيق. فليكن شيخك محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف، فخذ بمجامع الأدب مع شيخك في جلوسك معه، والتحدث إليه، وحسن السؤال، والاستماع، وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه، وترك التطاول والمماراة أمامه، وعدم التقدم عليه بكلام أو مسير أو إكثار الكلام عنده، أو مداخلته في حديثه ودرسه بكلام منك، أو الإلحاح عليه في جواب، متجنباً الإكثار من السؤال لا سيما مع شهود الملأ ؛ فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل، ولا تناديه باسمه مجرداً، أو مع لقبه بل قل: ” يا شيخي، أو يا شيخنا “. وإذا بدا لك خطأ من الشيخ، أو وهم فلا يسقطه ذلك من عينك، فإنه سبب لحرمانك من علمه،
الثالث عشر:الاعتدال في الجلوس
ينبغي لطالب العلم أن يعتدل في جلسته بين يدي شيخه وفي مجالس العلم وحلقات القرآن، وأن يُظهر التواضع والأدب من خلال جلسته وهيئته، فجبريل – عليه السلام- عندما جاء بهيئة رجل وسأل رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- عن الإيمان والإسلام والإحسان، جلس بأدبٍ جمّ وأسند ركبتيه إلى ركبتي رسول الله، وكذا كان يفعل عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه- وفي هؤلاء الأخيار خير أسوة.
الرابع عشر:آداب المدرسة و البـيـت
واكتساب العلوم والمعارف في زمان التلقي والاستزادة والحفظ في بداية العمر تحتاج إلى جد واجتهاد وتركيز وانتباه واغتنام لأوقات الفراغ . وأهم ما ينبغي أن يتزود منه الطفل متى بلغ سن التمييز حفظ القرآن الكريم، منبع العلوم، وكنز الأخلاق، وبحر الفصاحة، وأفق الكمال. وفي الوقت الذي يقضيه الطالب في مدرسته لا بدّ له من الاحتكاك مع زملائه ومعلميه، والتعامل في دراسته مع أدوات العلم، ومرافق المدرسة.. ولكل ذلك آداب يجب تمثلها.بعد معرفتها واكتسابها، ليكون ناجحا في دراسته، محبوبا في مجتمعه، موفقا للخيرات، سائرا نحو المعالي، قال الشاعر:
لو كان نـــور العـلــم يدرك بـالمنى *** ما كان يبقى في البرية جاهل
اجـتهد ولا تــكسـل ولا تك غـافــلا *** فـــندامة العقبى لمن يتكاســل
أ – في المدرسة:
١ – الحضور إلى المدرسة باكرا قبل قرع الجرس.
٢ – السلام على الأصدقاء بوجه باسم، وإلقاء التحية على المعلمين.
٣ – المحافظة على النظام العام والمنهج المدرسي والسلوك القويم.
٤ – إحضار الدفاتر والكتب المدرسية واللوازم الخاصة بالبرنامج اليومي.
٥ – الانتباه المطلق أثناء الدرس والمشاركة الفعلية في سيره، ومشاركة المعلم تدرجه في شرح الدروس.
٦ – تجنب الشرود أثناء الدرس، أو الانشغال بالدفاتر أو اللوازم، أو الحديث مع الطلاب.
٧ – تسجيل الواجبات المكلف بها في دفتر خاص، يرجع اليها في البيت لئلا ينسى أي واجب.
٨ – اللعب بلطف أثناء الفرصة، والانتباه إلى من هم أصغر سنا لئلا يدفعهم، وعدم اللعب مع من هم أكبر سنا.
٩ – الاستفادة من الوقت المخصص للفرصة لقضاء الحاجات الخاصة في أول الوقت كدخول الخلاء.
١٠ – الانتباه إلى تناول الأطعمة والأشربة النظيفة، مع غسل اليدين قبلها وبعدها.
١١ – الانتباه إلى عدم سقوط شيء من الأطعمة في الباحة تحت الأقدام.
١٢ – تجنب أخذ أي متاع خاص بأحد الطلاب إلا بإذنه، ولا تتم استعارة أي شيء إلا بالاستئذان قبله، والشكر بعده.
١٣ – تجنب التهكم بالآخرين والسخرية منهم، والتنابز بالألقاب، والمزاح المؤدي إلى الخصومات والعداوات. قال – تعالى -: يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسخَر قَومٌ مِّن قَومٍ, عَسَى أَن يَكُونُوا خَيراً مِّنهُم (الحجرات 11.)
١٤ – إختيار الأصدقاء الصالحين من أصحاب الأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة والسلوك المستقيم والذكاء والاجتهاد في الدروس.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل رواه الترمذي وأبو داود.
١٥ – التحضير الجيد للامتحان من بداية العام الدراسي، وعدم ترك الدروس تتراكم دون حفظ أو متابعة.
١٦ – تجنب الغش ومحاولة النقل والاعتماد على الغير في الامتحان، أو استخدام الوسائل غير المشروعة.
١٧ – الدعاء عند بداية الامتحان يقوله – تعالى -:
رَبِّ اشرَح لِي صَدرِي (25) وَيَسِّر لِي أَمرِي (26) طه.
ب – في البيت:
١ – المسارعة في كتابة الواجبات المدرسية بعد العودة من المدرسة وعدم تأجيلها إلى الغد.
٢ – مراجعة البرنامج اليومي والتأكد من كتابة جميع الواجبات ودراسة مواد اليوم السابق، والتحضير لمواد اليوم اللاحق.
٣ – الاعتناء بالخط والترتيب، والتسطير والتبويب.
٤ – الاعتناء بنظافة الدفاتر والكتب وتغليفها بشكل لائق، والمحافظة عليها من التلف أو الضياع.
٥ – السعي إلى التفوق في جميع المواد بالمتابعة المستمرة في الدروس، وتجنب تضييع الأوقات بلا فائدة.
عن عائشة رضي الل عنها أن رسول الله قال:إن الله – تعالى – يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. رواه البيهقي.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات، وأن يُرينا اليوم الذي تكون فيه عالماً من علماء المسلمين، مرجعاً في دين الله، إماماً من أئمة المتقين، آمين.. آمين.. وإلى لقاء قريب، والسلام.
____________________________________________________________________________________
* مدير مـدرسـة تـعميـر المـلـة الكـامـل
dr_abuyusuf@yahoo.com
www.lavender-nightingale-576497.hostingersite.com